كان لافتًا أن تتَّجه جبهة "البُوليساريو" الانفصالية إلى اتخاذ أساليب تصعيدية للفت الأنظار إليها مع اقتراب تطرق مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لقضية الصحراء المغربية، بعدما قامت مؤخرا بتحريض مواليها في "الداخل" لخلق "البلبلة"، وتوجيه أنظار المبعوث الأممي في الصحراء إلى أحداث "مُصْطنعة"، قبيل تقديم تقريره السنوي.
وكانت مدينة الداخلة شهدت أول أمس أحداثا خطيرة، بعدما قام عشرات من موالي "الجبهة" الوهمية بإثارة الفوضى في شوارع المدينة الواقعة جنوب المغرب، حيث همّوا بتخريب الممتلكات العمومية وإثارة الهلع في صفوف السكان ومواجهة قوات الأمن بالحجارة وقنينات الغاز، وهي الأحداث التي تذكرنا بما حدث سنة 2010 بالعيون لحظة تفكيك مخيم "اكديك ازيك".
والمعروف أن "الجبهة" الانفصالية كانت دائما ما تلجأ إلى افتعال مثل هذه الممارسات كلما اقترب شهر أبريل، موعد مناقشة موضوع الصحراء المغربية في مجلس الأمن.
وتأتي هذه الأحداث في سياق تلقي "الجبهة" ضربات متتالية، بعد قرار المفوضية الأوروبية تجديد اتفاقية الصيد البحري وتصريح مجلس الأمن الأخير بعيد "إحاطة كوهلر"، والنجاح "الكبير" الذي حقّقه المغرب بعد تنظيم مؤتمر "كرانس مونتانا" بالداخلة، والذي شاركت فيه شخصيات أوربية وعربية بارزة.
نوفل البعمري، المحلل السياسي والخبير في ملف الصحراء، قال في تصريح لهسبريس إن "الجبهة فقدت أعصابها ودفعت بصبيتها إلى التحرك كأي عصابة منظمة في شوارع الداخلة لإحراقها، في مشهد لا يمكن أن يُكيَّف إلا ضمن جرائم الإرهاب التي يُعاقب عليها القانون الدولي، خاصة المرتبط بمكافحة الإرهاب، والقانون الجنائي المغربي".
وزاد المحلل ذاته: "لم نعد أمام ما يصطلح عليه إعلاميا بنشطاء أو انفصاليي الداخل، بل أمام تنظيم يختلط فيه السياسي بالعنف باستعمال السلاح".
وتابع البعمري متسائلا: "هل يمكن القبول بأن ينتقل أشخاص إلى الجزائر سنويا لتلقي التداريب العسكرية والنظرية ويعودون للمغرب وإلى صحرائه بحرية ودون أن يطبق في حقهم القانون؟ هل كانت إسبانيا لتقبل أن ينتقل أشخاص من "إيتا" للتدرب على السلاح وتتركهم يعودون بحرية؟".
واستطرد بأن "من يذهب إلى هناك يعود إلى المغرب وينقل تجربته للآخرين وتتوسع دائرة الخطر ودائرة التهديد؛ ليس السلمي، لأن المغرب لم يخف يوما من النشطاء السلميين، بل العسكري، ما داموا يتلقون تدريبا عسكريا"، وفق تعبيره.
"اليوم نحن أمام مشهد يُنذر بأن الثقافة والتنظيم اللذين أنتجا ما حدث من جرائم بشعة في اكديم ازيك مازالا ينتجان الأشخاص نفسهم و"الإيمان" نفسه بأشخاص باعوا نفسهم للشيطان الذي يستعملهم ليس فقط كحجرة في حذاء المغرب، كما سماهم بومدين، بل كخنجر قد نطعن به في ظهر الوطن وفي غفلة منا"، يقول البعمري.
وتوقف الخبير في ملف الصحراء عند عدم تحرك السلطات المغربية لمتابعة "مرتكبي هذه الأعمال التخريبية" بالقول إن "في هذا البلد قانون، أول شروط المواطنة هو تطبيقه على الجميع والمساواة أمامه".
وأكمل: لا يمكن التساهل مع هكذا أحداث ولا يمكن أن تظل الدولة في موقف المتفرج وسنويا يذهب العشرات إلى بومرداس والمخيمات لتلقي التدريب العسكري والعنف وكيفية إحداث الفوضى المنظمة التي من شأنها أن تخلق الرعب في الوحدويين بالمنطقة".
وختم البعمري تصريحه بالقول إن "ما حدث لا علاقة له بالتعبير السلمي ولا بالرأي، بل هو عنف منظم مخطط له بهدف إغراق المنطقة في الفوضى وجر الدولة إلى الاصطدام العنيف، خاصة أنه يتزامن مع قرب موعد مناقشة ملف الصحراء بمجلس الأمن".
وزاد مستدركا: "ومع ذلك لا يجب أن يكون هذا مبررا لتعطيل تطبيق القانون بصرامة؛ بل يجب تطبيقه لأن ما حدث وما قد يحدث مستقبلا لا علاقة بحقوق الإنسان، ولا بالنضال السلمي الحقوقي..هو عمل عصاباتي بامتياز".