أصوات نيوز/
تدخل الجزائر شهورها الأخيرة كعضو غير دائم في مجلس الأمن، بعد تجربة دبلوماسية لم تُثمر سوى الخيبات، وتكشف أكثر مما تُخفي عن عجزها المزمن في فرض أجندة طالما اعتبرتها أولوية وطنية: دعم الطرح الانفصالي في الصحراء المغربية. فمنذ بداية عضويتها، وعدت الجزائر بـ”تحريك المياه الراكدة” داخل أروقة الأمم المتحدة، لكنها عادت لتغرق في صمت محرج طيلة ثلثي المدة، وكأنما أدركت باكراً حجم العزلة والرفض الذي يحيط بها.
وها هي، قبيل اجتماع مجلس الأمن في 14 أبريل الجاري، تجد نفسها في مواجهة حقيقية مع واقع دولي لم يعد يرحم التكلّف السياسي، حيث ستُجبر، لاختبار أول من نوعه في عهد إدارة ترامب الثانية، على الاعتراف بأن حلم تمرير أجندة الانفصال بات وهماً مستهلكاً لا سوق له.
كانت الجزائر تأمل في حشد دعم إفريقي يُعيد لها ماء وجهها داخل مجلس الأمن، فإذا بها تواجه صفعة مدوية من أقرب الجيران. سيراليون والصومال، ممثلتان إفريقيا إلى جانبها، لا تُخفيان دعمهما الصريح لمغربية الصحراء؛ الأولى افتتحت قنصلية عامة في الداخلة، والثانية عبرت عن نية مماثلة لم تتراجع عنها قط. واقع يُعري شعار “الدعم الإفريقي” الذي تتغنى به الجزائر، ويكشف زيف الخطاب الذي بات لا يجد من يصدقه حتى في القارة السمراء.
حتى الدول التي كانت يوماً سنداً للطرح الانفصالي انقلبت عليه واحدة تلو الأخرى. بنما، التي احتضنت لسنوات خرافة “الجمهورية الصحراوية”، سحبت اعترافها. غانا بدورها صحّحت خطأها التاريخي. أما باكستان، فاختارت الاصطفاف إلى جانب الحق المشروع، مؤكدة دعمها للمغرب داخل المسار الأممي. وقائمة الدول التي تميل إلى منطق العقل تتسع، في حين تضيق دائرة الجزائر يوماً بعد يوم، حتى كادت تُحاصر بدبلوماسيتها المرتبكة داخل جدران مجلس لا يرى في أطروحتها سوى بؤرة توتر دائم.
من أوروبا، الدنمارك، سلوفينيا، واليونان كلها تتبنى مواقف تؤكد أن المبادرة المغربية بالحكم الذاتي ليست فقط ذات مصداقية، بل أنها تُشكل أرضية صلبة لحل نهائي. هؤلاء لا يُصنفون كحلفاء تقليديين للمغرب، بل كدول مستقلة تقرأ المعادلة بعيون الواقعية، لا بشعارات الحرب الباردة التي ما زالت الجزائر تلوكها كأنها لم تغادر السبعينيات.
الصدمة الكبرى ستأتي من ضفتي الأطلسي. واشنطن، مجددة اعترافها بمغربية الصحراء، تُعلن بوضوح أن لا حل خارج مقترح الحكم الذاتي. باريس بدورها، رغم محاولات التودد الجزائرية، أغلقت الباب بعد إعلانها الرسمي عن دعم المقترح المغربي، وأبلغت بذلك الأمم المتحدة. وفي وقت تترقب فيه الجزائر موقف الصين وروسيا المألوفين، تبرز لندن كلاعب قد يُحدث التحول الكبير، بعدما كشفت عن مشاورات جادة مع الرباط لإعادة النظر في موقفها الرسمي.
تخرج الجزائر من مجلس الأمن بخُفّي حنين، بلا إنجاز يُذكر، بلا دعم يُعتد به، وبسمعة دبلوماسية اهتزت بين الأروقة الأممية. كانت تأمل في أن تكون عضويتها منصة للهجوم، فإذا بها تتحول إلى مرآة تعكس مدى التآكل في خطابها، والتراجع في صدقيتها، والتقوقع في سردية لم تعد تُقنع حتى أنصارها القدامى