أصوات نيوز //
ذ. حكيم قبابي
نعيش في عالم متحول، تشوبه صراعات خفية وأخرى معلنة، وتسعى الدول لضمان مصالحها المختلفة بشتى الطرق عبر تحالفات سياسية ومعاهدات اقتصادية وعلاقات ديبلوماسية وغيرها. ومنذ عقود، اعتمدت العديد من دول الجنوب على نظرية ”شمال جنوب” للبحث عن منافذ وحلول لكل مشاكلها، ورمت كل أوراقها في الشمال ظنا منها أن هذا الشمال هو الحليف السياسي والاقتصادي الوحيد، خصوصا بعد مرحلة الاستقلال عن الاستعمار الأوروبي وبحثها عن داعم لبناء اقتصاداتها، دون عناء البحث عن حلفاء وشركاء جدد يتواجدون على مرمى حجر منها، حلفاء يتقاسمون معها نفس الجغرافيا والتاريخ ولهم نفس الحاضر ويتطلعون لنفس المستقبل أيضا. وهذا ما جعل المملكة المغربية تكون سباقة لهذا التحول الاستراتيجي في الانفتاح على العمق الافريقي بنباهة وحكمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. فلم يعد ممكنا الاكتفاء بحليف واحد ولا بتوجه اقتصادي واحد ولا بوضع كل البيض المغربي في سلة واحدة، فالوضع العالمي الراهن يتطلب حنكة ورزانة كبيرتين في التعامل مع كل الفاعلين في الساحة العالمية، والتعامل بمنطق رابح رابح، بعيدا عن تلك الرؤية القديمة المبنية على الخنوع والاستسلام لأمر الواقع. فالمغرب كما وصفه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، الشجرة الكبيرة التي تترسخ جذورها في إفريقيا وينتصب جذعها في العالم العربي الإسلامي وتمتد أغصانها في أوروبا، بل يمكن القول وفي العالم أجمع. فموقعه الجغرافي وامكانياته الكبيرة، ومكانته الاستراتيجية في محور العلاقات الديبلوماسية الدولية، تجعله في موقف قوي ويقف الند للند مع الجميع. في سنة 2017 ,أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أمام الرؤساء الأفارقة خلال حفل اختتام القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الافريقي بالقول، “كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب. فأفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد”. رؤية استراتيجية حكيمة من ملك حكيم، تعبر بصدق عن مدى ارتباط المغرب بإفريقيا ورغبته في فتح وتجديد وتقوية العلاقات الأخوية مع كل الدول الإفريقية الصديقة والشقيقة وعلى كافة المستويات، لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا وحان وقت التكتلات المبنية على السلام والأمن والتنمية. الفلسفة الملكية الرائدة ترجمت على أرض الواقع من خلال العديد من الزيارات الملكية للعديد من الدول الإفريقية وعقد المئات من الاتفاقيات مع الشركاء الأفارقة في شتى المجالات، وتقديم الخبرات المغربية من أجل أمن واستقرار وتنمية وازدهار المواطنين الأفارقة. هذه الفلسفة الملكية المتميزة جعلت العديد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين يؤكدون على أن إفريقيا يجب عليها أن تركز مجهوداتها في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ الديموقراطية والتنمية البشرية، وهي في حاجة أكثر من أي وقت مضى الى السلم والنمو، من أجل دعم تقدمها وتقدم شعوبها ورفاهية مواطنيها، وأن تسعى للوحدة والتضامن والتآزر فيما بينها لمواجهة كافة التحديات المتعلقة بالتنمية والأمن. رؤية ملكية حكيمة تصاحبها خطوات عملية ملموسة وكثيرة تعود بالنفع على إفريقيا وساكنتها، من بينها على سبيل المثال لا للحصر، إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الأفريقية.تهدف إرساء إطار عملياتي لمواكبة البلدان الأفريقية مختلف مراحل تدبيرها لجائحة كوفيد 19 , وإنشاء المرصد الإفريقي للهجرة في المغرب، باقتراح من جلالة الملك بصفته رائدا للاتحاد الإفريقي في قضية الهجرة. رؤية المملكة المغربية الثابتة للعمل الإفريقي المشترك في مجالات السلم والأمن والشؤون السياسية وغيرها واضحة، ترتكز على الوحدة والتضامن الفعلي وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحكم الرشيد، لأن ذلك هو المفتاح الحقيقي لتطور وتنمية إفريقيا في كل المجالات. مشاكل إفريقيا لن يحلها إلا الأفارقة أنفسهم، بتعاونهم في شتى الميادين، وتظافر كل جهودهم في الأمن والتنمية واستثمار قدراتهم البشرية وموارد قارتهم الاقتصادية والطبيعية الهائلة بمنطق الاحترام المتبادل والتعاون الحقيقي بشعار: رابح رابح. فقد ولى عهد الابتزاز وولى عهد الاستصغار والنظر من فوق، وبأن حلول مشاكل الجنوب لم تعد بيد الشمال، بل بيد الجنوبيين. والمغرب حول بوصلته نحو العمق الإفريقي بتوجيهات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله, مع الحفاظ على العلاقات الأخوية مع كل الدول الصديقة في العالم بأسره، والمبنية على روح التعاون والإخاء والشراكات الحقيقية والاحترام المتبادل لما فيه خير البلدان جميعا.