ما أصعبه إحساس حين تشعر أنك غريب في وطن اختارتك الأقدار أن تكون من أبنائه فتبرئ منك و رفضك
فأصبحت تعيش داخله تائها حائرا يمر الزمن و أنت في انتظار فرج قد يأتي و قد لا يأتي لتجد السنين مرت سريعة و حياتك كانت قصة لا تقرأ من كثرة استهلاكها
فما أصعب أن تحس أنك غريب في وطنك الذي أحببته كثيرا و أدار لك ظهره
أن تحس أنك مواطن من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة ليس لشيء و لكن لأنك لم تبع مبادئك و مواقفك و لم تنصهر مع القطيع
أن تحس أنك مجرد كيلوغرامات من اللحم و العظام جردت من عقل و أحاسيس ليس لها دور في الحياة سوى أنها تثقل الكرة الأرضية
أن تحس أن وجودك كعدمه في وطن اختار الإنصياع لمن لا يؤمن به و لا يحبه
أن تكره نفسك في اليوم ألف مرة لأنك ولدت في هكذا وطن
أن تتمنى الموت على أن تخلق من جديد في وطن لا يعطي رجاله الأوفياء حقهم
أن يكون الضياع مصيرك و الموت حلمك
أن تخرج كل صباح من بيتك و تتوجه لعملك و تقوم بعمل تحس أنك لم تخلق للقيام به و في أخر الليل تعود يائسا من الحياة
أن تصبح عبدا أسيرا و قد ولدتك أمك حرا
أن تهاب المرض ليس خوفا من الموت الذي أصبح أمنيتك بل خوفا من موت قبل الموت في طوابير الإنتظار أمام المستشفيات التي أصبح بعضها كالمجازر تعرض و البعض الأخر مطارح للأزبال
أن تخاف من ان تضيع أو أن تنتهي صلاحية بطاقة التعريف الوطنية لكي لا يتكرر كابوس الإنتظار و الكلام النابي و الجارح الصادر من رجال يسمون حماة الوطن
أن تذهب لقضاء غرض إداري بسيط فتجد نفسك عالقا وسط دوامة سماسرة يحولون بينك و بين حصولك على حقك يستغلون جهلك و ضعفك ليمصوا دماءك و تكون شاهدا على عملية إغتصاب لجيبك و حقك دون أن تكون لك القدرة للدفاع عنه
أن تشاهد أسبوعيا مسرحيات البرلمان و البرامج الحوارية السياسية و التي تستضيف نفس الوجوه لأشخاص يقولون ما لا يفعلون يجيدون التمثيل أكثر منه القيام بما وضعوا لأجله هناك
أشخاص علامات المكر و الخداع بادية على وجوههم
أشخاص لا يخافون الله و لا يؤمنون بوجود يوم الحساب
أشخاص همهم الوحيد مص دماء الشعب و الصعود على أكتافهم للوصول للسلطة و المال
أشخاص لهم أفكار مفبركة و مبادئ ملونة يختفي بريقها مع أول جلسة فوق كرسي السلطة
أشخاص يغيرون كل شيء إلا زوجاتهم ليس حبا فيهن أو لسواد عيونهن لأن الخيانة عنوانهم و الغدر رأسمالهم لكن خوفا منهن فالزوجة بالنسبة لهم علبة سوداء إن فتحت فتحت أمامهم أبواب جهنم
أشخاص اغتالوا أحلام الشباب و دمروا أمال الأمهات
فكم صعب أن تعيش في هكذا وطن
أن تعاني في صمت و أنت تعرف أن معاناتك ليست استثنائية لدرجة أصبح من يحصل على حقوقه هو الإستثناء أو (مرضي الوالدين و الباقي كلهم مساخيط )
أن تفتح كل ليلة قبل النوم كتاب حياتك الأسود و تقلب صفحات سطرت كلها بالأحمر و دونت أحرفها بدموع جفت مع مرور الزمن فأصبحت الكآبة عادة و الضحكة لحظة سرعان ما يمحوها واقع مرير
وطن تحول فيه الحلم لكوابيس تلازمك ليلا لتراها حقيقة في النهار
كم محزن هذا المنظر التراجيدي من مسرحية أبطالها رجال و نساء وطن لم يشفق على حالهم و أصبحوا منسيين في زمن أصبحت الغلبة فيه لمن لا يحب وطنه
فمتى سيحن قلبك أيها الأب و ترأف لحالنا
متى ستفتح ذراعيك لأبنائك المخلصين الذين أحبوك و أخلصوا في ذلك
متى سنقول أننا نحبك ليس تملقا و لا خوفا بل لأننا نحبك فعلا
متى ستجعلنا نندم لأننا فكرنا مرة أنك لست أبا عطوفا على أبنائه
أحبك يا وطني ما استطعت إليك سبيلا فأين السبيل إليك يا هذا الوطن
[color=#3333cc]بقلم:ذ/أحمد متراق[/color]
[color=#3333cc]**صحفي
**وزير الإتصال و الثقافة في حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية[/color]